[الأدب العباسي
وصلت الحياة الفكرية في العصر العباسي إلى ذروة التطور والازدهار، ولاسيما في العلوم والآداب .. وقد عرف العصر حركات ثقافية مهمة وتيارات فكرية بفضل التدخل بين الأمم .. وكان لنقل التراث اليوناني والفارسي والهندي، وتشجيع الخلفاء والأمراء والولاة، وإقبال العرب على الثقافات المتنوعة، أبعد الأثر في جعل الزمن العباسي عصراً ذهبياً في الحياة الفكرية .. ونحاول فيما يأتي التعرف إلى الإنتاج الأدبي، شعره نثره، على اختلاف فنونه، وما لحقه من خصائص وتطورات.
في العصر العباسي كانت العربية قد أصبحت اللغة الرسمية في البلدان الخاضعة لسيطرة المسلمين، وكانت لغة العلم والأدب والفلسفة والدين لدى جميع الشعوب. وقد كتب النتاج بمجمله في اللغة العربية مع أن قسماً كبيراً من أصحابه ليسوا من العرب !!
تركت الثقافات الدخيلة أثراً عميقاً في علوم العرب وفلسفتهم، ولكن آداب الأعاجم لم يكن لها مثل هذا الأثر فالعرب لم ينقلوا إلا جزءاً ضئيلاً من الآداب الأعجمية، لأنهم لم يشعروا بحاجتهم إليها ولم يكن أدباء العرب وشهراؤهم يتقنون لغات غربية، فظل أدبهم في مجمله صافياً بعيداً عن التيارات الأجنبية.
وقد غلب الطابع العربي على الأعاجم الذين نظموا وكتبوا بالعربية، فتأثروا بالاتجاهات الأدبية العربية وانحصر تجديدهم ضمن القوالب التقليدية فالعصر العباسي حمل الأدب كثيراً من التجديد، ولكن ضمن الأطر التقليدية.
في العصر العباسي انتشرت المعارف، وكثر الاقبال على البحث والتدوين، وأنشئت المكتبات وراجت أسواق الكتب وقد وضعت المؤلفات في مختلف فروع المعرفة، في التاريخ والجغرافيا، والفلك والرياضيات، والطب والكيمياء والصيدلة، والصرف والنحو، واللغة والنقد، والشعر، والقصص والدين، والفللسفة والسياسة، والأخلاق والاجتماع وغير ذلك .. ويكفي أن نقرأ كتاب الفهرست لابن النديم لنعرف إلى أي مدى كانت حركة التأليف مزدهرة .. وأقبل الأدباء على الثقافات الجديدة يكتسبون منها معطيات عقلية، وقدرة على التعليل والاستنباط وتوليد المعاني، والمقارنة والاستنتاج .. فالأدب العباسي جاء أغنى مما سبقه، ويدلنا على هذا الغنى ما نراه في شعر أبي نواس وأبي تمام وأبي الطيب والمتنبي وأبي علاء، وما نراه في نثر ابن المفقع والجاحظ وبديع الزمان وسواهم .. ثم ان عمق الثقافة ساعد على عمق التجربة الانسانية، فجاءالأدب العباسي زاخراً بالمعطيات الانسسانية من حيث تصويره لجوهر الانسان وما يتعقب على النفس من حالات اليأس والأمل، والضعف والقوة، والحزم والفرح وغير ذلك .. كما رسم الأدب العباسي المشاكل العامة في الاجتماع والفكر والسياسة والأخلاق .. وهذا كله ظهر في خمريات أبي نواس وخواطر الرومي، وحكم المتنبي، ووجدانيات أبي فراس، وتأملات المعري، وأمثال ابن المفقع، وانتقادات الجاحظ .. فضلاً عن ذلك عرف العصر مدارس أدبية شعرية ونثرية، منها مدرسة أبي نواس ومدرسة أبي تمام، ومدرسة أبي العتاهية، ومدرسة المعري في ميادين الشعر.
وفي النثر عرفت مدرسة ابن المفقع، ومدرسة الجاحظ، ودرسة القاضي الفاضل، ومدرسة بديع الزمان الهمذاني وكل من هذه المدارس خصائصها واتجاهاتها، وقد كان لها الفضل في إعلاء شأن الحياة الأدبية في العصر العباسي.
ازدهر الشعر السياسي في العصر الأموي لأسباب متعددة أهمها قيام الأحزاب السياسية وتناحرها .. ولكن هذا اللون انحسرت أهميته في العصر العباسي بسبب ضعف الأحزاب والعصبيات القبلية .. وقد ازدهر بالمقابل شعر المدح بفعل ازدهار الحياة الاقتصادية وتطور الحياة الإجتماعية، مع ميل الخلفاء إلى الترف وحب الإطراء .. فأقبل الشعراء يمجدون الخلافة والأمراء وأصحاب النفوذ، مقابل العطايا السنية وهذا ما جعل الشعراء يحملون بالثروات الطائلة، فيقصدون بغداد والعواصم الأخرى للإقامة في جوار القصور .. وقوي الهجاء كذلك بدافع تحاسد الشعراء، وإلحافهم في طلب الجوائز، وضمنوا هجائهم الكلام المقنع أحياناً.
أما الغزل فقد مال به أصحابه بصورة عامة، إلى التهتك والإباحية، والفحش في الألفاظ وكثر في العصر العباسي الخلعاء من الشعراء الماجنين، وأهمهم أبو نواس، وحماد عجرد، ومطيع بن اياس، والضحاك، ووالبة بن الحباب .. إلا أن فئة من المتعففين حافظ أفرادها على العذرية في الشعر، من أمثال البحتري وأبي تمام وابن الرومي وأبي فراس الحمداني والشريف الرضي فهؤلاء جاءت قصائدهم الغزلية صادرة عن وجدان صحيح فيه الصدق والبراءة والمحافظة على الآداب العامة .. ثم ان الفخر الذي بني في الجاهلية على العصبية القليلة ضعف شأنه مع ظهور الإسلام، إلا ما كان منه جماعياً وبالدين الإسلامي وأهله .. أما العصر العباسي فقد تحول فيه الفخر إلى العصبية العنصرية أو القومية، ولكنه لم يكن قوياً في العصر الأول والثاني.
وقد ازدهر الفخر في العصر الثالث مع اضطراب الأحوال السياسية وكثرة المغمرين والاعتداد بالنفس وأبرز شعراء الفخر أبو الطيب المتنبي وأبو فراس و الشريف الرضي .. وهذه الموضوعات الشعرية كانت معروفة في العصور السابقة وحافظ الشعراء العباسيون على قوتها إلا أن البيئة العباسية ساعدت على ازدهار فنون جديده كانت من قبل ضعيفة أو غير معروفة .. وأهم هذه الفنون شعر المجون الذي كان وليد انتشار الزندقة وتفشي الفساد بفعل اختلاط الشعوب ، واتيان الأعاجم بفنون من الخلاعة والفحش وردئ العادات .. أما شعر الخمر فقد ارتقى على أيدي أبي نواس وصحبه ، وأصابه من معطيات العصر ما جعل الشعراء يبدعون فيه .. ومن دوافع ازدهار شعر الخمر الثقافة التي تيسرت للعباسيين فعمقت تجربتهم وكثفت شعرهم .. فأبو نواس تجاوز الأعشى والأخطل والوليد بن يزيد في هذا الفن ، واهتدى الى معان وصور وآفاق وأساليب صار معها حامل لواء التجديد في الشعر العباسي وجعل من الخمريات رمزا لهذا التجديد وأساسا لنشر الآراء وفلسفة الحياة والوجود .. وبعد أبي نواس استمرت الخمريات فنا شعريا راقيا اشتهر فيه ابن المعتز ومعز الدولة البويهي والغرائي وسواهم.
ومن الفنون الشعرية التي حافظت على رواجها وتطورت في العصر العباسي فن الوصف التي شمل الطبيعة المطبوعة والطبيعية المصنوعة .. ولهذا اهتم الشعراء بالرياض والقصور، والبرك، والأنهار، والجبال، والطيور، والمعارك، ومجالس اللهو، وغير ذلك.
في العصر العباسي تطورت المعاني الشعرية عمقاً وكثافة ودقة في التصوير، فجاءت شاملة للحقائق الانسانية وقد انصرف الشعراء عن المعاني القديمة إلى معان جديدة، يساعد على ذلك ما كسبه العقل العباسي من الفلسفة وعلم الكلام والمنطق، وما وصلوا إليه من أساليب فنية قوامها المحسنات اللفظية والمعنوية ومثال ذلك أن أبا تمام يجمع في قصيدة "فتح عمورية" بين العملية الفكرية والعملية الفنية، فأخرج من القصيدة شعراً جديداً راقياً، فيه من القديم مسحة ومن الجديد أخرج معاني وصوراً طريفة وكثرت في الشعر العباسي الأمثال والحكم (المتنبي والمعري)، وبرز فيه المنطق والأقيسة العقلية، وترتيب الأفكار (أبو تمام، وابن الرومي، المتنبي). كما ظهر الإبداع في التصوير والاعراب في الخيال، ومجاراة الحياة والفنون في الزخرفة والنقش، والاهتمام بالألوان (ابن الرومي، والبحتري).
امتاز الشعر العباسي بدقة العبارة وحسن الجرس والايقاع، وذلك بتأثير الحضارة ورفاه العيش كما امتاز بخروجه على المنهجية القديمة في بناء القصيدة وترتيب أجزائها. وكثيراً ما ثار الشعراء على الأساليب القديمة، وفي ذلك ذلك يقول المتنبي:
إذا كان شعر فالنسيب المقدم ... أكل بليغ قال شعراً متيم
وتمتاز القصيدة العباسية بوحدة البناء، وفيها صناعة وهندسة، مع استخدام الصور البيانية، فضلاً عن التجديد في الألفاظ المستعملة والموحية.
النثر العباسي :
خطا النثر العباسي خطوات كبيرة، فواكب نهضة العصر وأصبح قادراً على استيعاب المظاهر العلمية والفلسفية والفنية كما أن الموضوعات النثرية تنوعت فشملت مختلف مناحي الحياة .. فالكتابة الفنية توزعت على ديوان الرسائل والتوقيعات وغيرها .. وكان المسؤولون يختارون خيرة الكتاب لغة وبلاغة وعلماً لتسلم الدواوين، ولاسيما ديوان الرسائل الذي كان يقتضي أكثر من غيره اتقان البلاغة والتفنن ، و مستوى رفيع من الثقافة فضلاً عن ذلك النثر الفني القصص و المقامات و النقد الأدبي ، و النوادر ، و الأمثال و الحكم ، و التدوين ، و الرحلات ، و التاريخ ، و العلوم.
وظهرت الرسائل الأدبية التي تضمنت الحكم و جوامع الكلم و الأمثال و الفكاهات و كانت موضوعات الرسائل تتراوح بين الأخبار و الأخوانيات ، والاعتذار وغير ذلك وراجت الرسائل الطويلة في العصر العباسي فتناولت السياسة والأخلاق والإجتماع، كرسالة الصاحبة لابن المقفع، ورسالة القيان ورسالة التربيع والدوير للجاحظ، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري.
وعظم شأن القصص في العصر العباسي، فاتسع نطاقه وأصبح مادة أدبية غزيرة، وتنوعت المؤلفات القصصية فأقبل الناس على مطالعتها وتناقلها ومنها ما اهتم بالحقل الديني ككتاب قصص الأنبياء المسنى بالعرائس للثعلبي، وقصص الأنبياء للكسائي، وقصة يوسف الصديق، وقصة أهل الكهف، وقصة الإسراء والمعراج ومنها القصص الاجتماعية والغرامية والبطولية ككتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، وقصص العذريين، وسيرة عنتر، وحمزة البلوان، وسواها ومنها القصص التاريخية التي تناولت سير الخلفاء والملوك والأمراء كما عرف العصر العباسي القصص الدخيلة المنقولة، نذكر منها كليلة ودمنة، وكتاب مزدك، وكتاب السندباد، وبعضاً من ألف ليلة وليلة، وأكثره خيالي خرافي يدور بعضه على ألسنة الحيوان.
وإلى جانب القصة ازدهر أدب الأقصوصة، وكتاب البخلاء للجاحظ خير مثال على هذا النوع من الأدب وقد امتاز الأدب القصصي العبسي بدقة الوصف والتصوير وبراعة الحوار، والقدرة على استنباط الحقائق وتصوير مرافق الحياة، وتسقط العجائب والغرائب، والكشف عن العقليات والعادات والتقاليد.
وفي العصر العباسي ظهر فن المقامة، وضعه بديع الزمان الهمذاني، ولقي كثيراً من الرواج في العصر العباسي وما بعده .. وهو سرد قصصي يتناول الأخلاق والعادات والأدب واللغة، ويمتاز بألأسلوبه المسجع وأغراقه في الصناعة وكثرة الزخارف والمحسنات المتنوعة .. وفضلاً عما ذكرنا اهتم النثر العباسي بتدوين العلوم على أنواعها وهذه العلوم كانت إما عربية إسلامية كعلوم الشريعة والفقه والتفسير والحديث والقراءات والكلام والنحو والصرف والبيان وغير ذلك، وإما أجنبية التأثير كالمنطق والفلسفة والرياضيات والطب والكيمياء والفلك وعلم النبات والحيوان وغير ذلك. بهذا حاولنا أن نلقي نظرة على الأدب العباسي، شعره ونثره، وأن توضح أهم ما تناوله من موضوعات وما امتاز به من خصائص عامة
اولا :-الفنون الشعرية التي تجددت...
1—شعر المدح::
ظلت المثل الخلقيه في هذا العصر هي الموضوع الذي يطرقه الشعراء في المدح ,ويمدحون بها الخلفا ءوالوزراء والقادة وكل من يلعب دورا في تصريف شؤون الدولة .فخلق الشعراء من هذه الصفات صورا حيه في نفوس الممدوحين.بما استنبطوه من معان دقيقه في الكرم والمروءة والشجاعة وشرف النفس وعلو الهمة..يسعفهم في ذلك عقول خصبة واخيلة بارعة ,واضاف الشعراء مثالية جديدة هي تقوى الله والحكم بالشريعة كما في قول مروان بن ابي حفصة في مدح المهدي.
(أحيا أمير المؤمنين محمد.......... سنن النبي حرامها وحلالهاا)
كذلك نجد أن قصائد المدح أحيانا تسجل الوقائع والاحداث والفتن والصراع داخل الدولة ,وصراعها مع الروم خارجها كما في قصيدة فتح عمورية لابي تمام ..
لقد تركت أمير المؤمنين بهاا,,,,,, للنار يوما ذليل الصخر والخشب.
2—شعر الهجاء..
لم تعد العصبيات أساس الهجاء في شعر هذا العصر ,وانما اهتم الشاعر بسلب المهجو الايجابية والمثالية الخلقية .وأالصاق المثالبذ به .فكان الهجاء يأتي طعنا وتحقيرا ورميا بالقذارة والدنس والبخل والظلم.
3—شعر الفخر والحماسة..
لم يستطع بعض الشعراء أن يتخلصوا من الفخر القبلي كتعصب أبي نواس مثلا لمواليه بني سعد,وتعصب بشار للقيسيين .والجديد في شعر الفخر أن بعض الشعراء أخذوا يصدرون في فخرهم عن احاسهم بالمروءة والاخلاق والقيم المثلى .وللحث على الجهاد وملاقاة الاعداء وفخر بالبطولات في المعارك للاثارة والحماسة.
4—شعر الرثااء...
شهد شعر الرثاء نشاطا خاصا حيث وجه اغلبه لرثاء من يموت من كبار رجال الدولة كالخلفاء والوزاراء والقادة وركزوا على تمجيد البطولة والقوة في المرثي كرثااء أبي تمام لمحمد بن حميد الطوسي,وذلك لاضرام الحمية في النفوس واتجه الشعراء في رثائهم الى الاصدقاء والابناء والوزجات كرثاء ابن الرومي لابنه .وفي رثاء ابن الرومي ايضا للبصرة فقد نهج نهجا اتبعه الشعراء خاصة شعراء الاندلس.
5-شعر الوصف..
كان الشعر في السابق غالبا ما ياتي في ثنايا القصائد ,واصبح الوصف في هذا العصر فنا مستقلا بفعل الطبيعة الغنية بالجمال ,وأضافة الى المظاهر الحضارية التي عنى بوصفها الشعراء كالمطر والسحب والحدائق والقصور والبرك والطبيعة في فصل الربيع ووصفوا المعارك الحربية خاصة مع الروم
6- شعر الغزل...
الغزل في هذا العصر كان ينبع من عاطفة صادقة ,لذلك تميز بالرقة والتلطف وسار في اجاهين _اتجاه الغزل العفيف مثل الذي نجده في غزل العباس بن الاحنف باحتشامه.وأما الاتجاه الثاني فكان من اسبابه انتشار الجواري والقيان ,,فجااء غزلا صريحا حتى وصل اللا درجة المجون علىيد بشار بن برد وذلك لانغماس الشعراء في انواع الترف والنعيم..
7- شعر العتاب والاعتذار ..
يكون بين الاصدقا ءوبين الحكام والولاة يعبر عن عواطفهم ويدل على رهافة الحس وخصب الذهن ..واظهر الشعراء فيه قدراتهم العقلية وقوة حججهم ومنطقهم كقول ابن الرومي يعاتب صديقه..
(يا أخي أين عهد ذاك الاخااء××××× أين ما كان بيننا من صفاء؟؟
8- الشعر السياسي..
هو شعر الصراع بين القوى المتنافسة سياسيا كالشيعة والدعاة الى العلويين والمدافعين عن حق العباسين في الخلافة .وشعراء البرامكه وشعراء الوزراء والاوة والقواد..
ثـــااانياا:- الفنون الشعرية الجديدة..
1- شعر الزهد والحكمة..
الذي اصبح موضوعا اساسيا نظم فيه الشعرا ءممن زهدوا في الحياة ودعوا الى التقشف ,وذلك مقابل التيار الذي جذبه الترف وانساق ورا ءالمجون .ومن اشهر شعراء هذا الاتجاه ابو العتاهية,,,وصالح بن عبدالقدوس.
2- الشعر التعليمي..
وهو القصص او المعارف او بعض السير والاخبار التي ينظمها جماعة من الشعراء لتعليم النا س ..وكان أبان بن عبدالحميد اللاحقي هو الذي عمل على اشاعة مثل هذا الشعر حيث نظم بابي الصوم والزكاة شعرا ونظم كليلة ودمنة في اربعة عشر الف بيت يستهلها بقوله..
( هذا كتاب أدب ومحنه×××× وهو الذي يدعى كليلة ودمنه)
وكل ذلك من اجل التهذيب والتعليم لانهم نظموا مسائل علمية ودينية وفقهية وفلسفية وتاريخية..
معاااني الشعر وأخيلته.
من الطبيعي ان ينعكس هذا التغير الجذري الذي حدث في الحياة العربية ثقافيا وفكريا وحضاريا واجتماعيا .على الادب شعره ونثره فيعمق نظرة الشعراء الىالحياة .لان الحياة العقلية ارتقت واصبح الشعراء يلتمسون المعرفة ويتزودون بها ويحيلون هذه المعرفة ,بعد ان يتمثلوها الى شعر يتميز بالمعاني العميقة والتصوير الحسن .وترصيعه بلآلىء البديع وتقريبه وتجميله بصور التشبيه والاستعارة وترتيبه وتنسيق افكاره لميلهم الى المنطق واستفادتهم من الفلسفة وعلم الكلام.
الفاظ الشعر
ان لغة الشاعر اصبحت سهلة واضحة مألوفة ابتعدت عن الغرابة والغموض ..ولكن مظاهر الحضارة المادية واوجه الثقافة الاجنبية فتحت الباب على مصراعيه لدخول الالفاظ غير العربية في الشعر كالنيروز والبستان والاسطرلاب والمهند س..
وظهرت الزخرفه اللفظية في هذا العصر بشكل واضح بل من الشعراء من اخذ يكثر منها مثل ابي تمام وقد سبقه اليها مسلم بن الوليد واهتم الشعراء كما قلنا بالصور الشعرية خاصة ابا تمام والبحتري وغيرهما ممن عنوا بالتعبير عن المعان يبالفاظ تأنقوا في اختيارهاا..
بناا ءالقصيدة..
من حيث الوزن والقافية..
اصبح المجتمع الجديد مترفا ميالا الى اللهو وشاع فيه الغنا ء والغناء يلزمه المقطوعه الشعرية ذات الاوزان الخفيفة لاالقصائد ذات الاوزان الطويلة فطوروا الاوزان القديمه بل استنبطوا اخرى جديدة اكمل نغما وايقاعاا..
** من حيث المنهج ..
لقد تغيرت الحياة في المجتمع العباسي وطغت عليه المظاهر المدنية فترك أثره في الشعر حيث هجر بعض الشعرا ءالمقدمة الطللية ولم يكتف بل دعا الى ذلك في شعره كما فعل ابو نواس في مطلع خمرياته وذلك بقوله..
((دع الرسم الذي دثرااا؛؛؛؛؛ يقاسي الريح والمطراا))
وقوله..
((صفة الطلول بلاغة القدم""""" فاجعل صفاتك لابن الكرم))
ومن الشعراء من ظل ينهج في بناء القصيدة النهج القديم محافظا على تماسكها وترابط اجزائهاا..
من خصائص الأدب العباسي
النثر:
قرأتَ فيما تقدم كلمتين نثريّتيْن إحداهما للجاحظ، والأخرى لبديع الزمان الهمداني ولم يكن الجاحظ والبديعُ وحدهما هما البارزين، من كتّاب هذا العصر المجيد، ولكن ظهر فيه من كبار الكتاب عددٌ غير قليل، مثل عبد الله بن المقفع، وسهل بن هرون، وابن العميد وأبي حيان التوحيدي وغيرهم.
ويدلّ ذلك على أن الكتابة الأدبية قد ازدهرتْ ازدهاراً عظيماً في هذا العصر، وأنت إذا قرأت ما كتبهُ أدباء العصر العباسي ثم قرأتَ ما قبل هذا العصر من آثارٍ نثرية فستجد تجديداً هاماً، إذ أصبح للنثر موضوعٌ يتحدثُ فيه بعد أن كان فيما قبلُ يقتصرُ على الرسالة أو الخطبة، ولكن الجاحظ وأمثاله جعلوا النثر يتّسع لتصوير حوادث المجتمع، ويُحلّلُ كلَّ ظاهرة تخطر على النّفس، ويكونُ للمقال مقدمة واضحة تدل على ما سيتحدث عنه الكاتب، ثم يأتي بعدها العَرْضُ الشافي الممتد، وتجيء الخاتمة في النهاية تلخّص الموضوع، ومن وراء ذلك كلّه ربطُ المعاني، فالأفكار متماسكة متصلّة، وتُدرك ذلك بأيسر جُهد حين تقرنُ كلمةَ هانىء الشيباني في العصر الجاهلي بكلمة الجاحظ في هذا العصر، وكلتاهما مما درست هذا العام.
أما الألفاظ فأكثرُ وضوحاً، وبها موسيقى، تدلّ على أن وراءَها هندسة تزن الكلام، وتختارُ منه ما يُحدثُ في السمع رنيناً هادئاً يُطرب النفس، وقد كانَ الأسلوب في أوّل العصر مُرْسلاً يَجْري خالصاً من القيود، ولكنه كما ترى عندَ بديع الزمان الهمذاني قد أصبحَ مسجوعاً يميلُ إلى نوع من التأليف المقيّد، وهذا النوع يَسرّ النفس إذا كان طبيعياً غير متكلف، ولكنه يضايقُ القارئ إذا كان مستكرهاً متكلّفاً، لأنّ الكاتب حينئذ لا يَجدُ من أفكاره الهامة ما يقدّمهُ للناس فيلجأ إلى هذه القيود المتكلفة يظنّها ممّا تفيد وتحسن، ولكنّ التكلّف في أكثر أحواله ثقيلٌ غير مقبول.
ونحن نعرف أن الترجمات الأدبية والعلمية عن اليونان والفرس والهند قد ظهرت كثيرةً في هذا العصر وما نراه في الكتابة من تماسك وعمق قد كان بعض آثار هذه الترجمة لأن العقول تؤثر، والأفكار تتجاوب.
الشعـر:
وإذا كان النثرُ قد اختلف في العصر العباسي عنه فيما قبله من العصور فإن الشعر قد اختلف أيضاً وقد رأيتَ في قصائدَ أبى تمام والبحتري وابن الرومي والمتنبي وأبي العلاء ما يدل على ذلك، وقدْ بقيت الأغراضُ السابقة من مدح وهجاء ووصف وغزل ولكنّ طريقة التناول قد اختلفت فأصبحَ من الشعراء من يحْرص على العمق والدقّة ويُكثر من الصّور والأخيلة مثل أبي تمام، وأصبحَ منهم من يميلُ إلى السهولة ورنين اللفظ مثل البحتري، ولعلَّ طبيعة الموضوع تكون في أحيانٍ كثيرة من أسباب القوة والجزالة في موضع، كما تكونُ من أسباب الرّقة والسهولة في موضع آخر، فأنتَ تقرأ قصيدة أبي تمام، فتجدها تميل نحو القوّة لأن الموضوعَ موضوعٌ حماسيّ يحتاج للرنين وكذلكَ قصيدة المتنبي في معركة الحدث أمَّا إذا قرأتَ قصيدة ابن الرّومي، في وصف العابد فستجدُ سهولةً واضحة حتى لتحسب الشاعرَ أصبح ناثراً، وكذلك إذا قرأتَ قصيدة أبي فراس قي عتابِ سيف الدولة فستجد رقّة تدلّ على العاطِفة الحسّاسة والإخلاص الصّادق، هذا إلى شيءٍ من الجديد تلحظُهُ في الشعر العباسي، فالأفكارُ ذات ترتيب متماسك بحيْثُ تتوالى الفكرة خلف الفكرة، دون نشاز، وكانَ الشاعر الجاهلي كثيراً ما يُخالف الترتيب المتسلسل فتختلطُ الأفكار لديه في بعض ما يقول، أمّا الخيال فقد اتسعَ أكثر مما كان من قبل، فكثرت التّشبيهات الرائعة والأوصاف الحسنة، وأصبحت البيئة العباسية بحضارتها الزاهرة، ومدنيتها الحديثة، تُلهم من الصور الحضريّة ما لا نجده في ما نقرأ من شعر الصحراء والبادية، كما تنوّع الوصف في الشعر، واتّسع أفقه، واقرأ وصفَ المتنبي للحرب، والبحتري للذئب لتجدَ طرافةً مستحدثة تأخذ كثيراً من إعجابك.
وقد تُلاحظ مع سهولةِ الألفاظ الشِعْرية بالنسبة إلى شعر الجاهلية والشعر الأموي شيئاً هاماً، وهو تسرُّب بعض الكلمات الأعجمية إلى الشعر تظرّفاً، مع اهتمامٍ بالموسيقى الصوتيّة التي تأتي من تناسب الكلمات، وميلٍ إلى البحور القصيرة، ذات الوزن المطرب، وهذا ما يُناسبُ التعبير عن مجالس الأنس وأوقات الصفاء.
وإذا كثرَ الشّعر العباسي، في وصف الرياض والبساتين والقصور ورحلات الصيد، ومجالس الأنس فهناك شعراءُ قد انصرفوا للتفكير الجدّي، وتخلّصوا من المتع الرخيصة، وعلموا أن الحياة كفاح ونضال وأن الذي يحتل مكانته المرموقة في نفوس العُقلاء هو الشاعر المشغوفُ بالمجد، وأنت إذا قرأت ما تقدم من قصائد المتنبي وأبي العلاء وأبي فراس فستجدُ ما يدل على ذلك، وهي روحٌ يجب أن تشيعَ وتعم لأنّ الأمة الإسلامية في حاجة إلى لحنِ القوة ونشيد الطموح.