إن المتأمل في حياة وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليعجب من فقهه في معاملة النفوس، وحكمته في تربيتها وإصلاح أخطائها، وعلاج ما بها من خلل ، يظهر ذلك في مواقف كثيرة من سيرته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعاملته لأصحابه، ومن ذلك ما حدث من بعض المواقف في غزوة حنين، التي وقعت أحداثها في شهر شوال من السنة الثامنة من الهجرة، ودارت رحاها في وادي حنين، وكان عدد المسلمين الذين اجتمعوا في هذه المعركة اثنا عشر ألفًا، على غير عادتهم بهذه الكثرة، حتى نظر بعض المسلمين الجُدُد إلى جيشهم الكبير فاغتروا بهذا العدد وقالوا : لن نغلب اليوم من قلة ..
وهذه الغزوة وما رافقها من أحداث ومواقف، أشار إليها القرآن الكريم : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ }(التوبة 25 : 26)..
ومع ما حققته غزوة حنين من أهداف على الصعيد الميداني من غنائم كثيرة وانتصار كبير للمسلمين، فقد أبرزت مواقف حكيمة وتربوية للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أصحابه، تستحق الوقوف عندها للنظر فيها والاستفادة منها ..
لا رجعة للوثنية :
خرج مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حنين بعض حديثي العهد بالجاهلية، وكانت لبعض القبائل ـ قبل الإسلام ـ شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها للتبرك بها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها ، وبينما هم يسيرون مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ وقع بصرهم على الشجرة ..
يقول أبو واقد الليثي - رضي الله عنه - : ( .. إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى حنين مَرَّ بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط ، يعلقون عليها أسلحتهم ، فقالوا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم )(الترمذي) .
وهذا يعبر عن عدم وضوح تصورهم للتوحيد الخالص رغم إسلامهم، ولكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع رفقه بمن أخطأ لم يسكت على هذا الخطأ، بل حذر من آثاره ونتائجه ، وأوضح لهم خطورة ما في طلبهم .. وهكذا كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يربي أصحابه ، ويصحح ما يظهر من انحراف في القول أو السلوك أو الاعتقاد، حتى في أشد الظروف والمواجهة مع الأعداء ..
فالمخطئ والجاهل له حق على مجتمعه، يتمثل في نصحه وتقويم اعوجاجه برفق، وبأفضل الطرق وأقومها، فلو أن المسلمين ـ وخاصة الدعاة والمعلمين ـ اقتدوا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وبذلوا جهدهم في نصح وتعليم المخطئ بهذا الأسلوب النبوي الكريم، وما فيه من حلم ورفق، ونصح وحكمة، لأثروا بتعليمهم وأسلوبهم فيه، تأثيراً يجعله يستجيب لتنفيذ أمر الله وهدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
لن نُغلب اليوم من قلة :
الغرور يمنع النصر، وإذا كانت غزوة بدر قررت للمسلمين أن القلة لا تضرهم شيئا بجانب كثرة أعدائهم، فإن غزوة حنين أكدت أن كثرة المسلمين ـ أيضا ـ لا تفيدهم ولا تنفعهم إذا لم يكونوا مؤمنين صادقين، إذ كان المسلمون في حنين أكثر عددا منهم في أي معركة أخرى خاضوها من قبل، ومع ذلك لم تنفعهم الكثرة شيئا لما دخل إلى قلوبهم العجب والغرور، فقد حجب هذا الغرور النصر عن المسلمين في بداية المعركة، حينما قال رجل من المسلمين : " لن نُغْلب اليوم من قلة "، فشق ذلك على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ }(التوبة:25) .
ونبه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أهمية الاستعانة بالله في الحروب وغيرها، ونسْبة النصر والتوفيق إلى الله في كل شيء، فكان دائما في غزواته وحروبه إذا لقي العدو يقول : ( اللهم بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل )(أحمد) . بك أحول : أتحرك، وبك أصول : أحمل على العدو ..
ولعلَّ هذا من أبلغ الدروس التربوية في هذه الغزوة، وقد انتفع به الصحابة بعد ذلك في حروب كثيرة دارت مع الفرس والروم وغيرهما من أجناس الأرض، وما فر المسلمون الذين شهدوا حُنَيْنًا بعد ذلك، فكلهم أيقنوا أن النصر ليس بالعدد ولا بالعدة، وأن الكثرة لا تغني شيئا، ولا تجدي نفعاً في ساحات المعارك، إذا لم تكن قد تسلحت بسلاح العقيدة والإيمان، وأخذت بأسباب النصر وقوانينه ..
فالنصر والهزيمة ونتائج المعارك لا يحسمها الكثرة والقلة والعدة فقط ، وإنما ثمة أمور أُخَرلا تقل شأنا عنها، إن لم تكن تفوقها أهمية واعتبارا، فكانت حنين بهذا درساً، استفاد منه المسلمون غاية الفائدة، وتعلموا منه أهم قواعد النصر وقوانينه، وأن النصر من عند الله، قال الله تعالى: { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }(آل عمران: من الآية126)، وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }(محمد : 7)..
الغنائم وتأليف القلوب :
غنم المسلمون في حنين مغانم كثيرة، وكانت قسمة هذه الغنائم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبنية على سياسة حكيمة، لكنها لم تُفْهَم في أول الأمر، فأُطْلِقتْ بعض الألسنة بالاعتراض ..
فقد رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتألف البعض بالغنائم تأليفا لقلوبهم، وذلك لحداثة عهدهم بالإسلام، فأعطى لزعماء قريش وغطفان وتميم عطاء عظيما، إذ كانت عطية الواحد منهم مائة من الإبل، ومن هؤلاء : أبو سفيان بن حرب ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام ، وصفوان بن أمية ، وعيينة بن حصن الفزاري ، والأقرع بن حابس ، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان ، وقيس بن عدي ، وترك الأنصار ثقة في قوة إيمانهم وسماحة نفوسهم ..
وقد تأثر بعض الأنصار من هذا العطاء بحكم الطبيعة البشرية ، فظهر بينهم نوع من الاعتراض على ذلك، فراعى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الاعتراض وعمل على إزالته بحكمة ورفق ..
عن أبى سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : ( لما أعطى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد(غضب) هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم : لقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله، إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟، قال: يا رسول الله، ما أنا إلا امرؤ من قومي، وما أنا من ذلك، قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، قال : فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة، قال : فجاء رجال من المهاجرين فتركهم، فدخلوا وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد ، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، قال : فأتاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثم قال : يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله، وعالة (فقراء) فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بل الله ورسوله أمن وأفضل، قال: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل، قال: أما والله لو شئتم لقلتم، فَلَصَدَقْتُمْ، وَصُدِّقْتُمْ، أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رحالكم؟، فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعبا، وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا، ثم انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتفرقوا)(أحمد)..
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين: ( أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله! يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم .. قال أنس بن مالك : فحدث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قولهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ما حديث بلغني عنكم؟ فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسول الله! يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم )(البخاري).
لقد اتبع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الأنصار منهجاً تربوياً فريداً ، خاطب فيه عقولهم وعواطفهم، فكانت النتيجة أن انقادوا طائعين مختارين راضين بقسمة الله تعالى ورسوله ..
وكان هدف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من هذا العطاء المجزي للبعض ـ مع تأليفهم وتثبيتهم ـ تحويل قلوبهم من حب الدنيا إلى حب الإسلام، بعد أن يخالط الإيمان بشاشة قلوبهم، ويتذوقون حلاوته، ويتربون في مدرسته، وقد حدث ذلك بالفعل ..
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها )(مسلم).
وقد عبر عن هذا صفوان بن أمية ـ رضي الله عنه ـ بقوله : ( لقد أعطاني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ )(مسلم).
فائدة :
يقول ابن القيم في كتابه زاد المعاد : " .. ومعلوم : أن الأنفال لله ولرسوله يقسمها رسوله حيث أمره لا يتعدى الأمر، فلو وضع الغنائم بأسرها في هؤلاء لمصلحة الإسلام العامة، لما خرج عن الحكمة والمصلحة والعدل، ولما عميت أبصار ذي الخويصرة التميمي وأضرابه عن هذه المصلحة والحكمة ، قال له قائلهم : اعدل فإنك لم تعدل . وقال مشبهه : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله .. ولعمر الله إن هؤلاء من أجهل الخلق برسوله، ومعرفته بربه، وطاعته له، وتمام عدله، وإعطائه لله، ومنعه لله، ولله سبحانه أن يقسم الغنائم كما يحب، وله أن يمنعها الغانمين جملة كما منعهم غنائم مكة، وقد أوجفوا عليها بخيلهم وركابهم، وله أن يسلط عليها نارا من السماء تأكلها، وهو في ذلك كله أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، وما فعل ما فعله من ذلك عبثا، ولا قدره سدى، بل هو عين المصلحة والحكمة والعدل والرحمة، مصدره كمال علمه، وعزته، وحكمته، ورحمته، ولقد أتم نعمته على قوم ردهم إلى منازلهم برسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقودونه إلى ديارهم، وأرضى من لم يعرف قدر هذه النعمة بالشاة والبعير، كما يعطى الصغير ما يناسب عقله ومعرفته، ويعطى العاقل اللبيب ما يناسبه، وهذا فضله، وليس هو سبحانه تحت حجر أحد من خلقه، فيوجبون عليه بعقولهم، ويحرمون، ورسوله منفذ لأمره ..
فإن قيل : فلو دعت حاجة الإمام في وقت من الأوقات إلى مثل هذا مع عدوه، هل يسوغ له ذلك؟، قيل : الإمام نائب عن المسلمين يتصرف لمصالحهم، وقيام الدين، فإن تعين ذلك للدفع عن الإسلام، والذب عن حوزته، واستجلاب رؤوس أعدائه إليه ليأمن المسلمون شرهم، ساغ له ذلك، بل تعين عليه، وهل تجوز الشريعة غير هذا، فإنه وإن كان في الحرمان مفسدة، فالمفسدة المتوقعة من فوات تأليف هذا العدو أعظم، ومبنى الشريعة على دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصيل أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما، بل بناء مصالح الدنيا والدين على هذين الأصلين .." .
حلم وصبر :
لقد ظهر من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حنين الصبر على جفاء الأعراب، فكان مثالا للمربي الذي يصبر، ويبين لهم بحكمة ورفق، ويعاملهم على قدر عقولهم، فكان بهم رحيما، ولهم مربيا ، وعلى أذاهم صابرا، ومع علو قدره ومنزلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان كأحد أصحابه، يخاطبونه ويعاتبونه، ولا يحتجب عنهم قط، وكان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يراعون التأدب بحضرته ويخاطبونه بصوت خفيض، ويكنون له في أنفسهم المحبة العظيمة، وأما جفاة الأعراب فقد صبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سوء أدبهم وجفائهم، وارتفاع أصواتهم وجرأتهم في طبيعة مخاطبتهم له ..
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه ـ قال : ( .. فلما كان يوم حنين آثر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل : والله إن هذه القسمة ما عُدِل فيها وما أريد فيها وجه الله، قال : فقلت : والله لأخبرن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال: فأتيته فأخبرته بما قال، قال: فتغير وجهه حتى كان كالصِرف(صبغ أحمر)، ثم قال: فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟!، قال : ثم قال : يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر.. قال : قلت : لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا )(مسلم) .
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أمشي مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال : مُرْ لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه ، فضحك ، ثم أمر له بعطاء )(البخاري) .
وفي صبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أنواع الأذى في حنين وغيرها من غزوات وأحداث أمثلة رائعة يجدر بالدعاة إلى الله أن يقفوا عندها ويتأملوها، ليتأسَّوا به ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
لقد كانت غزوة حنين آخر غزوات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمشركي العرب ، وقد سُجلت هذه الغزوة في القرآن الكريم لكي تبقى للمسلمين في كل زمان ومكان يتعلمون منها الدروس والعبر ..