- أجمل منك لم تر قط عيني وأكرم منك لم تلد النساء -
-----------------
-------
" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ "
بقلم / د. عائض القرنـــي
صلى عليك الله يا علم الهدى *** واستبشرت بقدومك الأيامُ
هتفت لك الأرواح من أشواقها *** وازينــت بحديثك الأقلامُ
ما أحسن الاسم والمسمَّى ، وهو النبي العظيم في سورة عمّ ، إذا ذكرته هلَّت الدموع السواكب ، وإذا تذكرته أقبلت الذكريات من كل جانب .
وكنت إذا ما اشتدّ بي الشوق والجوى *** وكادت عُرى الصبر الجميل تفصمُ
أُعلِّل نفسي بالتلاقي وقربــــه *** وأوهمــها لكنّــــها تتوهم
المتعبد في غار حراء ، صاحب الشريعة الغراء ، والملة السمحاء ، والحنيفية البيضاء ،
وصاحب الشفاعة والإسراء ، له المقام المحمود ، واللواء المعقود ، والحوض المورود ،
هو المذكور في التوراة والإنجيل ، وصاحب الغرة والتحجيل ، والمؤيد بجبريل ،
خاتم الأنبياء ، وصاحب صفوة الأولياء ، إمام الصالحين ، وقدوة المفلحين
" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " .
السماوات شيّقات ظِمـــاءُ *** والفضــا والنجوم والأضواءُ
كلها لهفة إلى العلَم الهــــا *** دي وشـوق لذاتــه واحتفـاءُ
تنظم في مدحه الأشعار ، وتدبج فيه المقامات الكبار ، وتنقل في الثناء عليه السير والأخبار ،
ثم يبقى كنـزاً محفوظاً لا يوفّيه حقه الكلام ، وعلماً شامخاً لا تنصفه الأقلام ،
إذا تحدثنا عن غيره عصرنا الذكريات ، وبحثنا عن الكلمات ،
وإذا تحدثنا عنه تدفق الخاطر، بكل حديث عاطر ، وجاش الفؤاد ، بالحب والوداد ،
ونسيت النفس همومها ، وأغفلت الروح غمومها ،
وسبح العقل في ملكوت الحب ، وطاف القلب بكعبة القرب ،
هو الرمز لكل فضيلة ، وهو قبة الفلك للخصال الجميلة ، وهو ذروة سنام المجد لكل خلال جليلة .
مرحباً بالحبيب والأريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات ، وتسابقت المشاهد والمقالات .
صلى الله على ذاك القدوة ما أحلاه ، وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه ،
وبارك الله على ذاك الأسوة ما أكمله وأعلاه ،
علَّمَ الأمة الصدق وكانت في صحراء الكذب هائمة ،
وأرشدها إلى الحق وكانت في ظلمات الباطل عائمة ،
وقادها إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة .
وشبَّ طفل الهدى المحبوب متشحاً *** بالخير متزراً بالنور والنار
في كفه شعلة تهدي وفي دمـــه *** عقيدة تتحـــدى كل جبارِ
كانت الأمة قبله في سبات عميق ، وفي حضيض من الجهل سحيق ،
فبعثه الله على فترة من المرسلين ، وانقطاع من النبيين ، فأقام الله به الميزان ،
وأنزل عليه القرآن ، وفرق به الكفر والبهتان ، وحطمت به الأوثان والصلبان ،
للأمم رموز يخطئون ويصيبون ، ويسدّدون ويغلطون ،
لكن رسولنا
معصوم من الزلل ، محفوظ من الخلل ، سليم من العلل ،
عصم قلبه من الزيغ والهوى ، فما ضل أبداً وما غوى ،
"إنْ هو إلا وحي يوحى" .
للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين ، ولهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة موسومين ،
أما قائدنا وسيدنا فمعصوم من الانحراف ، محفوف بالعناية والألطاف .
قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة ، وعساكر ترفع الولاء مؤيدة، وخيول مسومة في ملكهم مقيدة ،
وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة ، وخدم في راحتهم معبدة.
أما محمّد
فغاية مطلوبه ، ونهاية مرغوبه ،
أن يُعبد الله فلا يُشرك معه أحد ، لأنه فرد صمد
"لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد" .
يسكن بيتاً من الطين ،
وأتباعه يجتاحون قصور كِسرى وقَيصر فاتحين ،
يلبس القميص المرقوع ، ويربط على بطنه حجرين من الجوع ،
والمدائن تُفتَح بدعوته ، والخزائن تُقسم لأمته .
إن البرية يوم مبعث أحـــمدٍ *** نظر الإله لــها فبدّل حالها
بل كرَّم الإنسان حين اختار من *** خير البريــة نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائـــد أمةٍ *** جبت الكنوز وكَسَّرَت أغلالها
لما رآها الله تمشي نـــحوه *** لا تبتـغي إلا رضاه سعى لها
ماذا أقول في النبي الرسول ؟
هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء ؟
أم أقول للشمس أهلاً يا كاشفة الظلماء ،
أم أقول للسحاب سَلِمتَ يا حامل الماء ؟
اسلك معه حيثما سلك ،
فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك ،
نزل بزُّ رسالته في غار حراء ، وبيع في المدينة ، وفصل في بدر ،
فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس ، ويا خسارة من خَلعه فتَعُسَ وانتَكَس ،
إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فلا تشرب ، وإذا لم يكن الفرس مسوَّماً على علامته فلا تركب ،
بلال بن رباح صار باتِّباعه سيداً بلا نسب ، وماجداً بلا حسب ، وغنيّاً بلا فضة ولا ذهب ،
أبو لهب عمه لما عصاه خسر وتبَّ ،
"سيصلى ناراً ذات لهب" .
الفرس والروم واليونان إن ذكروا *** فعند ذكرك أسمال على قزم
هم نـمَّقوا لوحة بالـرِّقِ هائمـة *** وأنت لوحك محفوظ من التهمِ
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، وإنك لعلى خُلُق عظيم ، وإنك لعلى نهج قويم ،
ما ضلَّ ، وما زلَّ ، وما ذلَّ ، وما غلَّ ، وما ملَّ ، وما كلَّ ،
فما ضلَّ لأن الله هاديه، وجبريل يكلمه ويناديه ،
وما زلّ لأن العصمة ترعاه ، والله أيده وهداه ،
وما ذلّ لأن النصر حليفه ، والفوز رديفه ،
وما غلّ لأنه صاحب أمانة ، وصيانة ، وديانة،
وما ملّ لأنه أُعطي الصبر ، وشُرح له الصدر ،
وما كلّ لأن له عزيمة ، وهمة كريمة ، ونفساً طاهرة مستقيمة .
كأنك في الكتاب وجدت لاءً *** محرمة عليــك فلا تحلُّ
إذا حضر الشتاء فأنت شمسٌ *** وإن حل المصيف فأنت ظلُّ
ما كان أشرح صدره ، وأرفع ذكره ، وأعظم قدره ، وأنفذ أمره ، وأعلى شرفه ، وأربح صفقة من آمن به وعرفه ،
مع سعة الفناء ، وعِظَم الآناء ، وكرم الآباء ،
فهو محمد الممجد ، كريم المحتد ، سخي اليد ،
كأن الألسنة والقلوب ريضت على حبه ، وأنست بقربه ، فما تنعقد إلا على وده ، ولا تنطق إلا بحمده ، ولا تسبح إلا في بحر مجده .
نور العرارة نوره ونسيمــــه *** نشر الخزامى في اخضرار الآسِ
وعليه تاج محبة من ربـــه *** ما صيغ من ذهب ولا من ماسِ
إن للفطر السليمة ، والقلوب المستقيمة ،
حباً لمنهاجه ، ورغبة عارمة لسلوك فجاجه،
فهو القدوة الإمام ، الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام .
،
علَّم اللسان الذكر ، والقلب الشكر ، والجسد الصبر ، والنفس الطهر ،
وعلَّم القادة الإنصاف ، والرعية العفاف ، وحبب للناس عيش الكفاف ،
صبر على الفقر ، لأنه عاش فقيرا ،
وصبر على جموع الغنى لأنه مَلَكَ مُلكاً كبيرا ،
بُعث بالرسالة ، وحكم بالعدالة ، وعلّم من الجهالة ، وهدى من الضلالة ،
ارتقى في درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة ،
وصعد في سُلّم الفضل حتى حاز كل فضيلة .
أتاك رسول المكرمـات مسلمـاً *** يريد رســـــول الله أعظم متقي
فأقبل يسعى في البساط فـما درى *** إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يرتقي
هذا هو النور المبارك يا من أبصر ،
هذا هو الحجة القائمة يامن أدبر ،
هذا الذي أنذر وأعذر ، وبشر وحذر ، وسهل ويسر ،
كانت الشهادة صعبة فسهّلها
من أتباعه مصعب ،
فصار كل بطل بعده إلى حياضه يرغب ، ومن مورده يشرب ،
وكان الكذب قبله في كل طريق ، فأباده بالصديق ، من طلابه أبو بكر الصديق ،
وكان الظلم قبل أن يبعث متراكماً كالسحاب ، فزحزحه بالعدل من تلاميذه عمر بن الخطاب ،
وهو الذي ربى عثمان ذا النورين ، وصاحب البيعتين ، واليمين والمتصدق بكل ماله مرتين ،
وهو إمام علي حيدرة ، فكم من كافر عفرّه ، وكم من محارب نحره ، وكم من لواء للباطل كَسَّره ،
كأن المشركين أمامه حُمُرٌ مستنفرة ، فرَّت من قسوره .
إذا كان هذا الجيل أتباع نهــــجه *** وقد حكموا السادات في البدو والحَضَرْ
فقل كيف كان المصطفى وهو رمزهم *** مـــع نوره لا تذكر الشمس والقَمرْ
كانت الدنيا في بلابل الفتنة نائمة ، في خسارة لا تعرف الربح ، وفي اللهو هائمة،
فأذّن بلال بن رباح ، بحيَّ على الفلاح ،
فاهتزت القلوب ، بتوحيد علاّم الغيوب ،
فطارت المهج تطلب الشهادة ، وسبَّحت الأرواح في محراب العبادة ، وشهدت المعمورة لهم بالسيادة .
كل المشارب غير النيل آسنةٌ *** وكل أرض سوى الزهراء قيعانُ
لا تُنحرُ النفس إلا عند خيمته *** فالموت فوق بلاط الحب رضوانُ
أرسله الله على الظلماء كشمس النهار ، وعلى الظمأ كالغيث المدرار ،
فهزّ بسيوفه رؤوس المشركين هزّاً ، لأن في الرؤوس مسامير اللات والعُزَّى ،
عظمت بدعوته المنن ، فإرساله إلينا أعظم منّة ، وأحيا الله برسالته السنن ،
فأعظم طريق للنجاة إتباع تلك السنة .
تعلَّم اليهود العلم فعطَّلوه عن العمل ، ووقعوا في الزيغ والزلل ، وعمل النصارى بضلال ، فعَملهم عليهم وبال ،
وبعث عليه الصلاة والسلام بالعلم المفيد ، والعلم الصالح الرشيد .
أخوك عيسـى دعا ميْتـاً فقام له *** وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
قحطان عدنان حازوا منك عزّتهم *** بك التشرف للتـاريخ لا بهمِ
بارك الله في شيخنا الدكتور عائض القرني وجزاه عنا خير الجزاء
"اللهم صلي على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين"
*******************************************************