أحيا الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات قبل أيام خلت الذكرى الثالثة والستين لنكبته الأليمة، التي مازال يعيش فصولها المتتابعة من جيل إلى جيل بالرغم من انقضاء العقود الطويلة من ولادتها.
والجديد في الأمر، أن ذكرى النكبة الفلسطينية لهذا العام، تمر والحال الفلسطينية والعربية مختلفة عن الحال التي سادت في السنوات الماضية، حيث يشعر الفلسطينيون اليوم، واللاجئون منهم على وجه الخصوص، أن قضيتهم الوطنية باتت الآن أمام ظروف مغايرة لما ساد طوال سنوات التفاوض التي جرت منذ انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 والى حين ولادة هذه الحراكات والتحولات المتسارعة والمبشرة في العالم العربي، والتي ترافق معها أيضاً وضع حد للانقسام الفلسطيني /الفلسطيني في خطوة المصالحة التي تمت في القاهرة أوائل مايو الجاري.
وفي سياق ذلك، أحيا الفلسطينيون الذكرى الثالثة والستين لنكبة فلسطين، بطريقة مغايرة لما تم في السنوات الماضية، فقد تجمعت أعداد كبيرة منهم على الحدود العربية وعلى بوابات فلسطين مع كل من مصر والأردن ولبنان وسوريا، فيما تسارعت الاستعدادات الشعبية والفصائلية في فلسطين وعموم مناطق الشتات الفلسطيني في دول الجوار المحيطة، لإحياء هذه المناسبة الأليمة، والانطلاق من المناسبة ذاتها لإعادة شحذ الهمم من جديد لمواصلة طريق العمل المضني من أجل إبقاء جذوة القضية الوطنية للشعب الفلسطيني حية، باقية، بالرغم من سيل الضغوط والمشاريع الخارجية الهادفة لطمس حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وإهالة التراب عليه لدفنه إلى الأبد، وتكريس الحلول الاستئصالية له عبر توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم، وتهجير أعداد كبيرة منهم إلى جهات المعمورة الأربع، كما جرى مؤخراً حيال بضع آلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين تم ترحيلهم من أرض العراق العربي إلى منافي البرازيل وتشيلي والهند والأرجنتين والسويد ...
فالذي جرى منذ افتتاح مؤتمر مدريد في أكتوبر1991، إلى الآن قام على قاعدة الفصل بين قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم وبين قرار الأمم المتحدة الضامن لهذه الحقوق، واستمرت المفاوضات في كواليسها السرية وهي تنحو باتجاه الرؤية الأميركية الإسرائيلية الرافضة لحق العودة، والساعية باتجاه تذويب هذا الحق وشطبه نهائياً على قاعدة حلول التوطين والتهجير إلى أصقاع المعمورة الأربعة.
ومع هذا، فقد أيقظت التحولات الجارية في عالمنا العربي، ومن قبلها انتفاضات الشعب الفلسطيني المتتالية، وصموده العنيد في قطاع غزة والضفة الغربية وداخل مناطق فلسطين المحتلة عام 1948، حلم العودة الفلسطيني من سباته القسري، وأظهرت المخزون الهائل عنده في فلسطين ومجتمع اللاجئين منه على وجه الخصوص، ومن الاستعداد العالي للتضحية في سبيل الدفاع عن أرضه وحقوقه الوطنية، وفي مقدمة هذه الحقوق حقه في العودة إلى أرض الوطن، وأن لا شيء يمكن أن يمر من وراء ظهره، وأن لا شيء لا يمكن أن يسد في وجهه طريق الحرية والخلاص، طريق عودة اللاجئين إلى أرض الوطن الفلسطيني.
وعلى قاعدة هذا الصمود عادت إلى الصدارة قضية فلسطين باعتبارها قضية عادلة ونبيلة لحركة تحرر وطني أمام جبروت القوة الطاغية. وفي هذا الميدان من الصراع الدامي مع الاحتلال تكرست حقيقة أن لا حل ولا تسوية في المنطقة بأسرها دون الإقرار الإسرائيلي والأميركي بالحقوق الوطنية الكاملة للشعب الفلسطيني، وعلى الأخص منها حق اللاجئين في العودة. فقد حركت الوقفة الجبارة للشعب الفلسطيني في الداخل وتعاظم دور اللاجئين الفلسطينيين حلم العودة المشروع في أفئدة الملايين من أبناء فلسطين المشتتين منذ عام النكبة على قوس واسع في الجوار المحيط بالأرض الفلسطينية.
ونستطيع القول بأن وصول المفاوضات الفلسطينية/الإسرائيلية إلى عنق الزجاجة لم يأت بفعل التباين على تفسيرات اتفاق أوسلو واستنساخاته أو نتيجة التباين بشأن التفاصيل التي طرأت على أجندة المفاوضات، بل نتيجة منطقية للتصادم بين البرنامج الوطني الفلسطيني مع برنامج التسوية الإسرائيلية المغطى أميركياً، وهو البرنامج القائم تحت سقف معادلة القوة، حيث تقاطعت مجموع الأحزاب الإسرائيلية على مساحة واحدة يتصدرها الإجماع على رفض حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، والرفض المطلق لحق العودة للاجئين الفلسطينيين بشكل كامل.
من جانب آخر، فإن مخاوف إضافية للاجئين الفلسطينيين في مختلف مواقعهم تنبع من ما يلمسونه من اتجاهات عملية في التقليص المتدرج لخدمات الأونروا التعليمية والصحية والإغاثة والشؤون الاجتماعية التي تستهدف الوصول إلى تسليم خدماتها وبرامجها ومؤسساتها إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، والى حكومات البلدان المضيفة في أقاليم عمليات الأونروا الأخرى (سوريا، لبنان، الأردن) وتحويلها إلى وكالة تنمية إقليمية لتأهيل اللاجئين حيث هم، وتهجير آخرين منهم، وليس بالانطلاق من حقهم في العودة وفقاً للقرار 194 بل باعتبارها قضية إقليمية يجري البحث من خلالها عن حق إنساني، اجتماعي، يحّول موضوع اللاجئين إلى مجرد قضية مجموعات سكانية موجودة في البلدان المضيفة لهم.
إن اللاجئين الفلسطينيين يعبرون في كل المجالات المتاحة عن تمسكهم باستمرار الأونروا قائمة كوكالة دولية مستمرة في تقديم خدماتها التعليمية والصحية والاجتماعية لما تحمله من دلالة واضحة كتعبير عن استمرار تبني المجتمع الدولي لحق العودة وفقاً للقرار194، والثاني بسبب المعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم أعباؤها عاماً بعد آخر على أعداد واسعة اللاجئين المحرومين بسبب استمرار إبعادهم القسري عن وطنهم ومن مصادر عيشهم الطبيعية فوق أرض وطنهم.
وبالمحصلة، إن الصراع طويل ولا يمكن غلقه وإنهاؤه بتسويات ظالمة مسقوفة تحت معادلة "حق القوة" بديلا عن "قوة الحق"، فالوقائع أثبتت أن لا حياة لأي عملية تسوية سياسية في منطقة الشرق الأوسط دون إنصاف الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقوقه الوطنية وفي مقدمتها حق العودة الذي يمس مصير أكثر من (65%) من أبناء الفلسطينيين من اللاجئين في الداخل والشتات.
إن حق اللاجئين في العودة وكما أشّر على ذلك انهيار مفاوضات كامب ديفيد 2 في يوليو2000، عنوان أساسي في الصراع العربي والفلسطيني ـ الإسرائيلي، فهذا الحق بحد ذاته أخلاقي، إنساني، وطني فضلاً عن كونه حقاً محفوظاً في إطار قرارات الشرعية الدولية، ويمس بشكل مباشر العنصر الأهم من عناصر القضية الفلسطينية وعناوين الصراع العربي والفلسطيني/الصهيوني.