إن دراسة منشأ الاحتكاك على المستوى الذري- هذه الدراسة التي أهملت
كثيراً من قبل الفيزيائين والتي تعرف باسم نانوتريبولوجي nanotribology-
تشير إلى أن قوة الاحتكاك تنشأ عن مصادر مختلفة غير متوقعة ، بما في ذلك
طاقة الصوت.
وفي عام 1986 توصلت ( جاكيولين كريم ) وزميلها ( ويدوم )
إلى تقنية تجريبية جديدة يمكنها قياس القوة الاحتكاكية لغشاء film ثخانته
ذرة واحدة ينزلق على سطح مستوٍ .
ولم يولى هذا البحث اهتماماً كبيراُ من قبل الفيزيائين على الرغم من أهميته الاقتصادية .
حيث
دلت الدراسات إلى أن الاحتكاك يكلف الدول النامية حوالي 1.6 من الناتج
القومي الإجمالي ونحو 116 مليار دولار للولايات المتحدة فقط خلال العام
1995م.
وكان الاعتقاد السائد رد الاحتكاك إلى أمر له علاقة بخشونة السطح..!
ولم
تكن هذه الدراسة هي الوحيدة في ذلك الوقت ولكن هناك العديد من العلماء
الذين أسهموا في مثل هذه الدراسات (تجريبياً بانزلاق ذرات على قاعدة
متبلورة أو نظرياً باستعمال نماذج حاسوبية جديدة ).
الكتابات الكلاسيكية:
ربما بدأ علم التريبولوجي الحديث قبل 500 سنة عندما استنبط ليوناردو
دافنشي القوانين التي تحكم حركة انزلاق كتلة مستطيلة على سطح مستو ومن ثم
أعاد الفيزيائي الفرنسي أمنتون في القرن السابع عشر صياغة قوانين الاحتكاك
وهي :
أولاً : تتناسب قوة الاحتكاك التي تقاوم الانزلاق على سطح فاصل
بين جسيمين طرداً مع الحمل الطبيعي أو مع القوة التي تضغط السطحين معاً .
ثانياً : التلامس الظاهري بين سطحين.
وقد أضيف قانون ثالث ينسب إلى العالم ( كولوم ) وهو أن قوة الاحتكاك مستقلة عن السرعة عند ما تبدأ الحركة.
وفي منتصف الخمسينات تم استبعاد خشونة السطوح كآلية محتملة لتفسير معظم
حالات الاحتكاك اليومي، وكان أمراً مدهشاً أن يجد صانعوا السيارات مثلاً أن
الاحتكاك بين سطحين يكون أحياناً أقل عندما يكون السطحان أكثر خشونة ويمكن
أن يزداد الاحتكاك مع ازدياد النعومة ذلك في حالة اللحام البارد فإن
المعادن المصقولة يلتصق بعضها ببعض بثبات أكثر.
الانزلاق على السطوح الجافة :
الآن
لنتسائل لماذا تسبب طبقة سائل احتكاك أكبر في المقياس الذري في حين أنها
تسهل الانزلاق في الاستخدامات اليومية ؟ لقد قدمت الدراسات الحسابية
الإجابة الحاسمة، كما فتحت نافذة نادرة على السلوك الجزيئي الذي لا يمكن
الوصول إليه بأية طريقة أخرى. فلقد طرق عدة باحثين مجالات جديدة في
النانوتريبولوجيا بوساطة الحاسوب ومنهم ( لاندمان ) الذي كان طليعياً في
محاكاة نقاط التماس، و( هايسون ) من الأكاديمية البحرية في الولايات
المتحدة الأمريكية الذي وضع نموذجاً للتأثيرات الكيميائية، و( بيلاك ) من
مختبر لورنس ليفرمور القومي الذي قام بتحليل صنع المكنات والتآكل.
كان
( روبنز ) ومساعديه أول من أجاب عن سؤال احتكاك السائل عندما قاموا
بمحاكاة انزلاق أغشية الكريبتون السائل الذي سماكته ذرة واحدة على سطوح ذهب
متبلور، حيث بينوا أن ذرات الكريبتون السائل الأكثر حركية من ذرات
الكريبتون الصلب تستطيع أن تلتصق بسهولة أكثر في الفجوات بين ذرات الذهب ذي
الصلابة العالية، كما لاحظت هذه المجموعة أن القص الحاصل بين المادة
الصلبة وسطح السائل يختلف عن الحالات الماكروسكوبية للتزيت حيث إن القص
الحاصل داخل كتلة السائل (أي على السطح البيني سائل –سائل) يبدي مقاومة أقل
من القص عند السطح البيني سائل – مادة صلبة.
إن سبب التوافق شبه
التام بين نموذج روبينز والنتائج التي توصلت لها كريم لأنه نسب الاحتكاك
في حساباته إلى اهتزازات الشبكة البلورية (أمواج صوتية)، مع العلم أن روبنز
كان قد أهمل الاحتكاك الناتج عن التأثيرات الكهربائية.ففي السطوح العازلة
ينتج الاحتكاك من تجاذب شحنات كهربائية موجبة وأخرى سالبة على جانبي سطح
التلامس (يحدث تجاذب مماثل عند دلك بالون بالشعر وتركه يلتصق بالجدار)،
وظهور الشحنات لا يكون كبيراً عندما يكون أحد أو كلا سطحي التماس معدناً ،
ولقد اقترح بيرسون من جامعة شالمر للتقانة بالسويد ظهور نوع آخر من
الاحتكاك الإلكتروني، والذي بحث كثيراً من قبل بيرسون من مركز أبحاث جوليش
في ألمانيا ، حيث وجد أن هذا الاحتكاك يتعلق بالمقاومة التي تواجهها
الإلكترونات المتحركة داخل المادة المعدنية عندما تنجرف على طول الوجه
المقابل.
الفيزيائيون يعرفون حالياً هذا النوع من الاحتكاك لكنهم
لا يعرفون مدى أهميته (فلماذا تقوم أجسام صلبة صغيرة بالانزلاق بدون احتكاك
تقريباً وليس تماما). ولبحث هذا الموضوع أجريت قياسات حديثة من قبل فريق
جاكيولين لتعين قيمة القوة اللازمة لانزلاق غشاء صلب سمكه ذرة واحدة أو
ذرتان من الكزينون على طول سطح فضة متبلور، ولاحظنا أن الاحتكاك يزداد
بنسبة 25% في حالة غشاء كزينون سمكه ذرتان فهل يعود هذا الفرق إلى
الاحتكاك الإلكتروني ؟ طبعاً من المحتمل أن يكون الجواب بالنفي . ....! ومع
التطور في نظم المحاكات الحاسوبية والجهود النظرية سوف نتمكن بالتأكيد
وبدقة تحديد مقدار الفقد بالطاقة التي ترافق التفاعلات الإلكترونية
واهتزازات الشبكة البلورية.
إعادة صياغة قوانين الاحتكاك :
يبين
التقدم الحديث في النانوتريبولوجي أن قوانين الاحتكاك الماكروسكوبي غير
قابلة للتطبيق على المقياس الذري ، لذا فقد تم إعادة صياغة هذه القوانين
كالآتي:
أولاً : تعتمد قوة الاحتكاك بين سطحين على سهولة التصاقهما
من عدمه وهذا يتناسب مع درجة عدم عكسية القوة التي تضغط السطحين معاً أكثر
من اعتمادها على شدة القوة .
ثانياً: إن قوة الاحتكاك تتناسب مع منطقة التماس الحقيقية وليس مع منطقة التماس الظاهرية .
ثالثاً
: قوة الاحتكاك تتناسب طرداً مع سرعة انزلاق السطح البيني على نقاط التماس
الحقيقية ، ما دامت السطوح البينية لا تسخن وسرعة الانزلاق أصغر من سرعة
الصوت (قريباً من هذه السرعة يختل التساوي لأن اهتزاز الشبكة البلورية لا
تستطيع نقل الطاقة الصوتية بسرعة كافية).
ومع ملاحظة منطقة التماس يتضائل التناقض بين ظواهر الاحتكاك الماكروسكوبي و المكروسكوبي وكل ما زاد الضغط زادت منطقة التماس.
ولقد
افترض الفيزيائيون أن عدم انتظام السطح يؤدي إلى دوراً في الاحتكاك سواءً
كان انزلاقاً أو التصاقاً ، حيث ينزلق فيها أحدهما على الآخر : التصاقاً
لحظياً ثم يتابع ، وكمثال على ذلك صرير مكابح سرعة القطار وحركة الأظافر
على الطاولة . ولهذا كان الاعتقاد بأن الخشونة هي التي تسبب الطبيعة
العشوائية لكلٍ من الالتصاق والانزلاق .
ولقد طبق ( كرانيك )
وزملاؤه لعدة ملايين من المرات ، قوة متغيرة دورية على سائل محتجز من دون
تآكل ، ولاحظوا النتائج التي تشير إلى أن العشوائية ( بالتحديد والتي تسمى
ضجيج والتي تقدر قيمتها بـ( 1 /التردد الرنيني) ) يمكن أن تكون جوهر
الاحتكاك "انزلاق – التصاق" .
ومن المعلوم أن المواد المصنعة من
جزيئات على شكل سلسة متفرعة أكثر زلقاً من جزيئات على شكل سلسلة متفرعة
أكثر زلقاً من جزيئات على شكل جزيئات على شكل سلسلة مستقيمة ، لدرجة أن
جزيئات على شكل سلسلة متفرعة متجمعة في كتلة تكون أكثر لزوجة (تبقى سائلة
تحت قوى أكبر منها في حالة الجزيئات المتجمعة في سلاسل مستقيمة ، وبذلك
تكون أكثر قدرة على منع تماس سطحين صلبين)
وأخيراً : نأمل أن يساعد
النانوتريبولوجيون العاملون في فروع الهندسة يوماً ما الكيميائيين على فهم
الاحتكاك المحسوس للتفاعلات التي تظهر على السطوح ، أو علماء المواد في
هدفهم لتصميم مواد تقاوم التآكل . وعندما تصبح الحاجة أكبر إلى المحافظة
على الطاقة وعلى المواد الخام فإنه يتوقع أن يسارع الفيزيائيون لفهم أسس
عمليات الاحتكاك..